لي فترة طويلة من وجع ليل صباح بآنين بكاء مكتوم ، وأحيانًا في طريق الذهاب والعودة دمع يفر هاربًا من بين أهداب العين . ما بين وجع الأحبة -القاسي مذاقه ، معتصر الحشا- وأمور شتىَ ، لكن اليوم كان للبكاء شأنًا آخر . فاجأتني شجرة الياسمين لدي والتي لم تكن تزهر قط ! بزهرة ياسمين فقط النظر لها أصدر صرخة في النفس وحين اقتربت اخترق صدري رحيقها وكأنما آلة زمن قد انطلقت في عقلي . مشتل الجسر وذكرياتي مع شجرة الياسمين التي كانت تعلو بوابته الخشبية -والتي كان عمرها أكبر من سن والدتي ، غرسها جدي- وسحر عبيرها الذي كان ينهمر في مقدمة القرية ضاربًا بطول الجسر حتي آخره ، وزهورها التي من فرط إنجابها كانت تغطي الأرض وتكسوها بلون بياض الياسمين ، وتناولي منها زهرة كل صباح ومساء في الذهاب والعودة من المدرسة ، خالي ومغازلته لزميلاتي الصغيرات وضحكنا سويًا ، وقطفه الياسمن لهن ، خالتي الشابات آنذاك وكتبهن الممتلئة بزهرها ..وطرف ثوب جدتي (سعاد) حينما كانت تذهب مرة أو مرتين إلي المشتل ويعلق به زهر ياسمين -رائحتها هي التي كانت تعطي للياسمين حياة، رحلت هي وماتت شجرة الياسمين ...
ما بال العطر والنسيم آلتي زمن لا حاجة لهما بقانون الفيزياء وما بال الوجع لا يفوت جنبات القلب لا ينفك أن يتركه...