البيوت المصرية زمان وخاصة في الريف كانت بتمتاز بموائمتها للوضع المناخي على حسب طبيعة الأرض المبني عليها البيت، فكان -ولا زال في بعض المناطق- المصري يبني داره من طينة الأرض اللي عايش عليها يعني شكل من أشكال الجهازالمناعي أنه يقاوم من مكوناته أي تغيير في الطقس.
علشان كده كان بيتقال الدار الطين في الشتا دفا وفي الصيف طراوة، لأن الطينة مادة بطبيعتها بتتعامل مع الطبيعة بأنها جزء منها ومش مصنعة بشكل كامل زي الطوب الأحمر مثلًا، ومسام الطينة بتشتغل مع الإنسان ولا أجدعها تكييف!
تحضير خامات الدار كانت كالتالي
* رطش أو رتش على حسب نطق المناطق الريفية وهو التراب اللي بيجي من الأرض الزراعية بعد ما بتكون أخدت الغذا بتاعها منه وبيكون ناشف جدًا على خلاف "السباخ" اللي بيكون طري حبتين والسباخ هو السماد الطبيعي اللي بينزل الأرض الزراعية علشان تتغذى منه وتأكل -الأرض والزرع زي البشر بيأكلوا وبيشربوا- المهم السباخ بيكون جاي من تفاعل الرطش/الرتش وفضلات المواشي / البهايم فبالتالي بيكون سماد طبيعي وطبعًا ما ينفعش يتبني به، فالبناء بيكون من رطش الأرض.
* تبن، والتبن بيكون منتوج ما تم فرمه من قش القمح بعد ما تم درس القمح في الدراسة (الآلة اللي بتقوم بفصل الحب عن القش) ولازم يكون قش قمح أو قش شعير أو كتان، أما قش الدرة لأ لأنه رائحته سيئة، المهم علشان ما نرغيش كتير التبن جزء من منظومة البناء.
* مياه بكمية تناسب المعجنة.
* قالب طوب / اسطمبة ودي بتكون مصنوعة من الخشب وعلى شكل مستطيل وله ضلع يزيد عن نصف طوله علشان يكون مقبض لخلع القالب من الطين والإمساك به.
والطريقة كالتالي بيتجاب الرطش في مساحة أرض واسعة علشان المعجنة تاخد راحتها، ويتحط على شكل دايرة مفرغة من النص ويترش عليها كمية مناسبة من التبن وبعدين تترش المياه وتتم المعجنة من خلال مجموعة من الأشخاص لو المعجنة كبيرة أو شخصين لو هي صغيرة وكل واحد يقف برجله ويفضل يغرز ويدوس جوه العجينة وتتساب لمدة كم يوم علشان تتخمر زيها زي عجينة العيش بس دي بتتساب لأيام وعلى حسب درجة الحرارة طبعًا، ولو المياه قلت تترش مياه عادي بس المهم أنها ما تبقاش روبه "شبه الجبنة الدوبل كريم كده يعني" علشان القالب يمسك في العجينة ما ترنخش "ترنخ يعني تسيب كده وتبقى شبه الممادة الرخوة" المهم المعجنة اتعجنت نيجي للتقريص بقى ^_^ ايه اللي بيحصل عارفين عجينة العيش والتقطيع للأرغفة هو ده اللي بيحصل ايه الللي بيحصل؟
بيجوا الناس راشين على الأرض كمية تبن زيها زي الردة اللي بتحطوها تحت العيش المهم نجيب القالب ونحطه ع الأرض المرشوشة تبن ونقوم مكورين كورة طينة من الممعجنة ونصبها جوه القالب ونساويه بس لازم يكون القالب مرشوش مياه والإيدين مبلوله مياه علشان ما تبقاش مكتلة كده، أيوه زي ما بتعملوا في عجينة العيش... نيجي بقى نخلع القالب هنلاقي العجينة أخدت شكل مستطيل وما ريحتش طبعًا لأنها اتعجنت صح واتخمرت بالمظبوط. طبعًا المسألة طويلة أنك تقعد تشكل العجينة في قالب علشان تعمل الكمية اللي أنت محتاجها، وبينساب الطوب في الخلاء ويترش عليه من فوق تبن ويفضل كم يوم في الشمس لحد ما ينشف تمام.
نيجي لوقت البناء بيتعجن عجينة شبه اللي فاتت وتتخمر كم ساعة بس، ويبدأ البنا يحفر عمق لقالب الطوب علشان يحط الأساسات والعواميد، والعواميد دي بتكون إما جزعين نخل مشقوقين، أو عودين بوص بامبو، أو عرقين خشب من شجرة كافور وأحيانًا ما بيتحطش ويكتفوا برص الطوب، يجي البنا يحط القالب ويليسه بالطينة المعجونة ويرص القالب اللي بعده، نفس العمملية بتاعت المباني اللي بالطوب الأحمر والأسمنت، بعد كده يعرش السقف، ويعرش هنا معناها يعمل سقف الدار ودي بتكون إما حصير بوص متخوصه أو قش دره، ودي بتتحط ما بين عرقين خشب أو عودين البامبو، ويتليسوا بالطين برضه، وبعد ما الدار تنشف شوية يقوم البنا جايب نفس المعجنة ويقوم داهك الدار بره وجوه بالطين ودي نفس عملية "الممحاراتي" بيمحر بس هنا بالطين، وتبقى دار عشرة على عشرة، وطبعًا لو أصحابها مقتدرين بيغفقوها "بيغفئوها" ويدهنوها بألوان الجير بره وجوه، وبدل ما تكون أرضية الدار أرض طينية عادية غير ممهدة فبيقوم أصحابها عاملينها "حُمرة" والحمرة دي عبارة عن نوع من أنواع الأسمنت وعليه مادة لونية حمراء ويبلطوا الأرض بها، أو كسرة طوب أحمر ومتدشدش "مطحون" وبكده بقت دار زي الفل.
طيب ايه وجه الاستفادة من ده كله؟ وجه الاستفادة أن طريقة البناء دي كانت بتخلي اللي قاعد جوه البيت لو الجو حر يلاقي تكييف هوا زي الفل جوه ورباني من غير لا كهربا ولا دياولوا وده نتيجة مسام الطين المعجون وتفاعل الطين مع الجو، ولو الدنيا برد البيت دي بيكون دفا بس مشكلته بتكون لو في مطرة شديدة والبيت مش متغفق طويس بيرطبه حبتين لكن لما الشمس بتطلع بيكون نشف، وطبعًا السقف ممتحبك فمافيش مشكلة الدار أمان. ويمكن دي نفس العمملية اللي الناس بتحسها لما تشرب من القلة في الصيف وتلاقيها باردة ومنعشة...
الصور الملحقة تصويري ومن بيتنا وعمره أزيد من 80 سنة، والقالب الخشبي شبيه لقالب صب الطوب.
أي ترجمة اسأل استشير...
*كتبت التدوينة للإجابة عن استفسار إحداهن على تويتر، والتدوينة مختصرة إلى حد ما...