الجمعة، 22 يناير 2016

عبادي يا واد عبادي

عبادي* يا واد عبادي كرباجك ع الهجين واللي عايلعب بي أني يعيش عمره حزين سلم لي ع الست بهية اللي حبت ياسين وبهية في المحاكم شدت واحد وكيل واحكم يا جاضي النيابة جيدامك مظاليم #تراث_مصر 
يرمز هنا بالعبادي - وهي اللازمة أو التيمة الفلكلورية الأشهر وسط لازمات الغناء التراثي الشعبي خاصة الصعيدي في مصر - لياسين العبابدي بطل حكاية (ياسين وبهية) وهو من قبيلة "العبابدة" أشهر عرقيات البجا في مصر، وعلى طول ساحل البحر الأحمر،  ولربما قامت الدنيا عليه ولم تهدأ نظرًا لنسب "بهية" لقبيلة هوارة أشهر القبائل العربية في المنطقة...
 نختلف أو نتفق حول إن كان "ياسين" ذلك الرمز في الأصل مجرد لصًا ينهب خيرات الطريق، أو أنه "روبن هود" آخر مثله كمثل "أدهم الشرقاوي" وسيرة الأخذ من مال الغني الظالم وإطعام الفقير... لكن تظل الحكاية حكاية عشق "بين اثنين" وبطش قوة السلطة بها، كما أرخ لها الفنان الشعبي على طول مصر وعرضها بربابة كان أو بسمسمية أو حتى مرتجلًا يدندن كلمات حفظها عن ظهر قلب، هو الثابت في الحكاية... راوي يسري صوته قبل أن تتحرك قدماه من بقعة لأخرى.
وهنا حوار من ضمن حوارات تراثية ظلت كنقش على صدر الفنان الشعبي تتوارثها الأجيال تلو الأجيال، أكان هذا الفنان من الغجر كبنات مازن ومتقال وغيرهم أو حتى فنان من نسل العبابدة ذاتها! أو حتى إدخال اللازمة في أغنية أخرى مثل "عطشان يا صبايا" "ويا بهية وخبريني" وغيرها  من أغان تناولت قصة ياسين وبهية أو قصة ارتبطت بتاريخ العبابدة.
نجد هنا حوار سلس يجريه الراوي مع القطار الذي نقل الجثمان والمتهمين، والست بهية وهي تحاول نجدة زوجها، في حين أن الرواية التاريخية التابعة للسلطة تذكر أن بهية أنكرت حبها لياسين فور قتله وادعت أنه اختطفها واغتصبها، خشية أن يقتلها أهلها!!! فكيف هذا والرواية الشعبية تذكر ملحمة من الحب والوفاء بين بهية التي طافت المحاكم حتى لا يحكم القاضي على ياسين...
نعود ونذكر ونذكر أن الرواية الشعبية التاريخية خير وأبقى من رواية أية سلطة...
يا بابور الساعة اتناشر يا مجبل ع الصعيد 
عبادي يا واد عبادي كرباجك ع الهجين
واللي عايلعب بي أني يعيش عمره حزين
يا بابور الساعة اتناشر يا مجبل ع الصعيد
سلم لي ع الست بهية اللي حبت ياسين
يا بابور الساعة اتناشر يا أبو عجل حديد
خبريني يا بهية ع اللي جتل ياسين
جتلوه السود عينيه من فوج ضهر الهجين
ياسين غرجان في دمه غاب منه الباش حكيم
وبهية من المحاكم شدت واحد وكيل
واحكم يا جاضي النيابة جيدامك مظاليم
عوج (طنجر) الطربوش على ناحية حكم بأربع سنين
سنتين في الجصر العالي
سنتين في الزنازين
يا رب هات الفرج مهما العسير طول 
لابد عني الممات مهما الأجل طول
 لابد عني السفر مهما الغريب طول 
دورنا دورة علشان الحبايب لازم ينعاد من الأول 

الثلاثاء، 19 يناير 2016

الغطسة (عيد الغطاس) - عشريات الشهور المصرية

كل شهر له تلات عشريات...
العشرية التانية من طوبة واللي هتبدأ بكره هي عشرية مثل "طوبة يخلي الشابة كركوبة"، العشرية الأولى بتختمها وتبدأ للتانية بــ"الغطسة" - اللي هي بكره - الغطسة طقس مصري أصيل. الغطسة تعتبر غسيل للأرض بعد يومين العواصف اللي احنا فيهم لنا (بقالنا) كم يوم، وبدأت في أول العشرية الأولى منه وهديت المسألة في نص العشرية وختمت العشرية بنفس العواصف، لأننا بندخل في موسم الغرس (غرس البذور) (موسم الزراعة) يعني العواصف دي مش مجرد تراب وعفرة وبس. دي بتكون تلقيح ونقل بذور وملك تاني خالص...
وهنا النقطة بتاعت عيد البذر وليس الانقلاب الشتوي لأن الانقلاب الشتوي بيبقى في كياك"كيهك" بلاش خلط....
واللي احنا فيه هو فصل البرد "البذر"طبقًا للتقويم المصري المبني على تلات فصول في السنة مرتبطة بالمياه(الفيضان والأمطار) والتراب (الأرض والغرس والبذر) والهواء(العواصف والتلقيح والحصاد).
وعلى مدار الحقب في مصر وكعادتنا كمصريين بنحب الأكل ونربط أي مناسبة بأكل (ارتبطت الغطسة بالقصب والبرتقال والسوداني والقلقاس والسفندي واللب) بالترتيب ده هتلاقوا ارتباطات النباتات دي بالمتتالية التاريخية لمصر. - مش معنى كده إن النباتات دي ماكانتش موجودة في مصر، هي كانت موجودة بس فرق سلالات -
المهم إن التقلبات المناخية دي تقلبات وليست متغيرات. يعني المسار البيئي والمناخي في مصر -رغم التلوث- لسه شوية طبيعي زي ما التقويمات القديمة بتقول. العيب فين بقى؟ العيب فينا هنا كمنظومة وكبشر، يعني أنت عندك تقويم زراعي من آلاف السنين ويكاد يكون الأمثل والأكثر ملائمة لمجتمعك ما بتمشيش عليه ليه؟ وعلى أساس موائمة الظروف المناخية تقدر تشوف الوقت ده يناسب زراعة إيه أو مواعيد الطيران والموانئ تكون إيه بدل ما بتيجي تقول أصل بتوع الأرصاد قالوا ففجأة الناس تتلغي رحلاتها ومواعيدها فجأة وبدون ترتيب علشان الأرصاد قبلها بيوم قالت في عواصف في حين إن تقويمك المصري الزراعي (بتاع الفلاحين) بيقول لك، عندك خد بالك في عواصف علشان كيت وكيت وكيت.
طيب ليه طوبة مرتبط بالقصب لأنه القصب بيعشق المياه عشق مافي بعده عشق، والمياه في طوبة بتكون عالية بفعل الأمطار فصاحبنا بيشرب لما يتعمي. وطبعا في ارتباطات روحية تانية مرتبطة بالنمو والطبيعة وانتقل بعد كده بمعتقدات روحية تانية مرتبطة بالديانة المسيحية. لكن يظل الثابت والأساس ارتباطه بالزراعة المصرية والتقويم المصري القديم.
الغطسة بكره 11 طوبة / 20 يناير. اه وكمان في مثل مرتبط بالغطسة واتقال بعد الغزو العربي - أيوه غزو مش هنستهبل مع مصطلحات التاريخ - المهم المثل بيقول "غطست يا نصراني صيفت يا مسلم بعد أربعينين (40 و40 أي 80 يوم) وطبعًا الصيف في بشنس يعني بعد 80 يوم من طوبة...
قصره انزل هات قصبك قلقاسك سفنديهك برتقانك لبك وسودانك وتحضر للغطسة غدا واللي يقول لك مش هتمطر، اعْبُطُه ومده على رجليه بزعزوعة القصب.

الأحد، 17 يناير 2016

رحلة المبتدأ والخبر

رحلة المبتدأ والخبر، هكذا وجدت نفسي أطلق على مسار رحلات مسافر خانه. التي انطلقت رسميًا من العام الماضي. بسلسلة من الرحلات التي تضرب في عمق التاريخ الإنساني - المصري على وجه الخصوص - والتي لا يمكن وصفها برحلة ترفيه وحسب، فهنا سننقصها حقها، ولا يمكن وصفها برحلة تثقيف، لأننا سنختص بها أهل الاختصاص وفي هذا إجحاف!
فرحلات مسافر خانه وهي صفحة أنشئت على موقع التواصل الاجتماعي Facebook لفريق عمل تشرب وتشبع بمسيرة حافلة في مجال الآثر والعناية به، قد ارتأى - أي فريق العمل - أن الآثر لا يمكننا الحفاظ عليه والعناية به دون ذكر للبشر. فكانت سلسلة الرحلات التي انطلقت في عام 2015 ابتداء بمحافظة الفيوم  وتلاها رحلة إلى الواحات البحرية والصحراء السوداء والبيضاء، ثم قرية تونس، فرحلة صورة وأسطورة. والتجهيزات القادمة نحو واحة النبوءة، واحة سيوة ذات الطابع المعماري والإثني الخاص...
رحلات تسبح في فلك التاريخ الإنساني الضاربة جذوره بعمق داخل حضارة أرض مصر.
المنضم لرحلات مسافر خانه، لا ينفك أن يجد نفسه داخل شريط سينما، وليس أمام الشريط في دور المشاهد. لأن السلاسة التي يغزل خيطها فريق عمل مسافر خانه، تنسج قماشة ثرية من تاريخ البشر والآثر في إطار حكاية من حبكتها لظن المسافر معهم أنه ينتمي لهذا العصر دون أي خدع بصرية، أو ألاعيب. فقط هو السحر... مس من السحر يتلبس مجموعة الرحلة أينما كان مسار الركب.
ففي الفيوم أرض خصبة رغم الرمال والصخور يحكي الفريق فيها حول التاريخ الإنساني جامعين كل ما طالت أيديهم من علوم (التاريخ والجيولوجيا والآثار والميثولوجيا وغيرها من علوم) ليتكشف لنا تاريخ لم نقرأه بعناية من قبل، وأساطير كانت كذكر العابرين سريعًا لا ربط بينها وبين الواقع. ثم تحول الربط في حكايا مسافر خانه في رحلاتهم.
على سبيل المثال الرحلة التى تمت مؤخرًا، صورة وأسطورة كانت في القاهرة، داخل شارع يمر عليه المارون ليل نهار، من يسلكون طريق المقطم أو من يذهب لاستخلاص بعض الأوراق في مصالح السيدة زينب، أو حتى المقيمون فيه وهو شارع الصليبة. كان برنامج الرحلة من فرط شهرة معالمه ظن المرتحل أنه برنامج عادي، لكن ما حدث كان غير ذلك...
نصبت رئيسة الفريق الشرك للمجموعة الذين لا يعرفون بعضهم بعض، وربما جمعت مواقع التواصل الاجتماعي بعضهم ببعض صدفة، والتقوا وجهًا لوجه على متن أتوبيس ألقوا على سائقه التحية واستلقوا إلى الوراء يستمعون إلى مرشدة الرحلة ليقعوا في الفخ!!!
عقدت مشرفة الرحلة الأستاذة سالي سليمان حبكة درامية على وقائع حقيقية ربطت فيها بين ثلاثة أبطال جاءوا من عصر المماليك ليقصوا على أحفاد هذه الأرض - مصر - تاريخ الصعود الذي ركبوه فصاروا من أهل الهمة والحل والعقد إلى أن سقطوا في هاوية عقيدة المماليك الخالدة " إن لم يقتلك القدر، فالسيف المملوكي يفعل ". كان أبطال الرحلة (صرغتمش - شيخو - تاز) ثلاثة أمراء من المماليك لولا آثارهم لجهلنا أخبارهم...

فلكل منهم أثر وآثر اقتطعوا من حجارة أرض مصر بنيانه، فهذا صرغتمش الذي بقي منه ضريح وجامع وبقايا مدرسة. وكذلك شيخو في الجهة المقابلة منه تاركًا مسجد وخانقاه للتعبد، وعلى يسارهم رفيق الدرب الأمير تاز وقصره المهيب...
لم تكتفي سالي بالسرد الشيق عن الأمراء، بل دخلت بنا في سرداب من الأساطير داخل بيتان توسطت بينهما قنطرة فأصبحا نزل لواحد من مستشرقي القرن الماضي، والذي افتتن ببلاد عرفتها الحضارة فأخذ يلتقط منها ما طالته يده حتى نادم عليه منزل الست الكريتلية فلبى النداء وسكنه البيت قبل أن يسكنه، فأصبح "متحف جاير أندرسون". كذلك متعة الحكي عن جبل يشكر بن جديلة الذي بنيت عليه مدينة القطائع، عاصمة مصر إبان حكم الدولة الطولونية والأساطير التي شكلت تاريخ الجبل، حتى جعلته أرض مستجابة الدعاء...
زمن يتلبسك بكل تفاصيله حتى وإن كنت زرت هذه الأماكن من قبل!! ! فلن تتورع عينك عن الطرف لسحر ما ترى، ولن يغلق فمك من فرط دهشة ما تسمع...
النهج الذي يسير عليه فكر برامج ورحلات مسافر خانه، ذكرني بقصة كان قد قصها علي صديق من قبل، حول صديقته الإنجليزية والتي كانت تدعى "مارثا" فقد كانت تعمل طوال العام وتدخر من راتبها ما تدخره حتى تأتي إجازتها لتنطلق بما ادخرته طول أشهر العمل وتسافر إلى كل مدينة أرادت السياحة فيها على قدر ما معها من أموال. كانت مارثا تعقد العزم على مصر تارة، وأندونيسيا وغيرها من البلدان تارة أخرى. كنوع من المكافأة لنفسها. وهذا ما يفعله الفريق كل فترة يعلنون عن رحلة داخل مصر بمبلغ يستطيع المسافر أن يدخره ويذهبون به في الاجازة الرسمية (السبت والجمعة) أو الأجازات المطولة إلى مكان من الأماكن المصرية التي لم ترى العين مثيلها.
هكذا هي رحلات مسافر خانه، تثقيفية ترفيهية تعليمية توعوية تنموية. فالمعلومات والمعرفةالتي يكتسبها الرحالة معهم لم تمر عليه بهذه الصورة والفكرة من قبل، والترفيه النفسي الذي يتلقاه لم يحظى به من قبل، وكذلك التوعية بأهمية الآثر والتنبيه حول نجدته حتى لا ينهار بين عشية وضحاها ولم نعلم عنه شيء، حتى دارسي التاريخ سيقرأوه كما قرأوا حول من اندثر من قبله ولا يملكون من معرفته شيء ووحده الخيال من يساعدهم!!!
والأمر التنموية حول فكرة وماهية الرحلة، كيف نتجهز لها ونتدبر أمرها، ولماذا هي بهذه الأهمية القصوى للنفس؟!
مسافر خانه وضعت كل هذه المميزات بل وأكثر فالمر دومًا تتخلله المفاجأة من فتح لأماكن لا يدخلها أحد وقصص وأساطير وتفسيرات للمكان والزمان يرتحل داخلها المسافر...
لماذا كانت المبتدأ والخبر؟ لأنها دومًا رحلات لجمل اسمية لها أبطالها وأفعالهم التي خلدها الآثر.

الصورة:- تصويري من سطح بيت الكريتلية أمام مسجد أحمد بن طولون.
 
قُطُوُف - Blogger Templates, - by Templates para novo blogger Displayed on lasik Singapore eye clinic.