لما شوفت تريند النهارده حوالين عجن شيرين المعتاد والشرب من النيل، واللي عمالين يتكلموا أيوه هنشرب من النيل وبلا بلا بلا، وهما لا داقوا منه ولا نيلة بس ربنا يكفيكم شر فتحة الصدر! افتكرت عم عبد الوهاب الله يرحمه والصندل والمحلبة وأني كنت بركب الصندل رايح جاي بشلن (خمسة قروش).
الصندل أو المعدية غرفة كبيرة تشبه المركب مصنوعة من الصاج والحديد بتعدي بين بلدين بيفصل بينهم مجرى مائي/نهر. كان لونه لبني وأحيانا أزرق على حسب مزاج عم عبد الوهاب، وكان عبارة عن غرفة متعرشة بسقف صاج وفيها شباك وتحته الدفة اللي بتحدد اتجاه الصندل من خلال رفرف تحت في المياه ودراع الدفة، وده كان قليل استخدامه يعني لو الجنزير اتقطع أو تيار المياه شديد. ودكة لوحين خشب بست قواعد حديد بطول الغرفة وفي مقابل الدكة قعدة وفرشة عم عبد الوهاب والمنقد بتاعه وعدة الشاي وأسياخ حديد وشبك قديم وراه وطوق أبيض متعلق على الحيطة، وكليم صوف على الأرض، وساحة أكبر من الغرفة بيفصل بينها وبين الغرفة أرج على اليمين والشمال العمدان مواسير حديد نص فوق مكشوف ونص تحت معمول بالصاج. الساحة المكشوفة كانت زي صالة كبيرة متسورة بسور مكشوف من مواسير حديد والبوابات من غير باب لأنها كانت عبارة عن رفرف في كل فتحة باب بيتفرد ومربوط بجنزير يشبه بوابات القلاع في الأفلام الأجنبية اللي بتتفتح وتتقفل، وفي ركن الصالة موجود عامود وتد كبير متعلق فيه جنزير كبير بيربط بين البلدين مدقوق الجنزير في الأرض على البر، وكان الصندل بيتحرك من خلال قوة شد الجنزير، ياما شديته وأنا طفلة لوحدي وكنت ببقى مبسوطة رغم المياه والشحم ونباتات بحرية كانت بتتعلق في الجنزير. عم عبد الوهاب المفروض أن جزء من مهمته يشد هو الجنزير لكن كان الله يرحمه بمزاجه وظربون ممكن يقعد يطنش اللي راكبين اللي عاوز يشد يشد.
الصندل كان بيربط بين بلدي الأم (عزبة الأقطش) وبلد في البر التاني بيفصلهم النيل، وكانت أجرته رايح جاي من وقت ما وعيت عليه لحد ما اتشال واتبنى كوبري للربط، شلن رايح جاي ثم بريزة رايح جاي لحد ما بقى ربع جنيه في اخر مرة ركبته، وأعتقد فضل نفس الرقم ده فترة قبل ما يتكهن.
الصندل كان عليه مراكبي اسمه عم عبد الوهاب، وكان للصندل مواعيد رسمية واللي يفوته ميعاد بالليل أو يروح البر التاني من غير ما ينبهه تبقى ليلته بيضاء يا ينادي على مراكبي يعديه يا يضطر يلف بلدين علشان يروح، الصندل كان تبع المجلس المحلي للقريتين.
عم عبد الوهاب على حسب ما كنت أسمع أنه مراكبي في الأصل يعني النيل بيته وبقى مسئول عن الصندل، أعتقد أنه توفى عند سن 85 ويمكن أكتر. في الشباك اللي جوه عنده كان حاطط محلبة والمحلبة عبارة عن قلة مياه من الفخار الأحمر، لكن منفوخة ولها ودن أو ودنين، يعني تشبه البلاص بس على أصغر وفوهتها واسعة عن القلة العادية كان بيشرب منها واللي بيركبوا الصندل لو عطشوا بيشربوا، كان عم عبد الوهاب بيملاها من النيل ^_______^ لكن كان له تكنيك معين في ملوها وهو أنه بيوقف الصندل في نقطة معينة وسط النيل ويعلق ودن المحلبة بسيخ حديد متني اخره ويغطس المحلبة وهوب يرفعها تكون اتملت ويشرب، في مرة كنت عطشانة جدا وفعلا شربت من المحلبة وكان لسه ماليها كنت في سن 7سنين تقريبًا وقتها فعليًا ماكنتش عارفة مصدر المياه غير بعد ما شربت المياه كانت نضيفة فعلًا ولا طعم ولا لون ولا ريحة -ذاكرتي في مثل هذه الأمور كويسة-.
في مرة سألته يعني أنت إزاي بتشرب من البحر ده مش مضمون، فوراني يومها بيملاها إزاي وقال "قلب البحر نضيف بس (شتيمة ما ينفعش تتقال الله يرحمه لسانه كان شتيمة برضه ما ينفعش تتقال) يبطلوا غسيل ورمي زبالة، وأنا أكيد مش هشرب زبالة يعني".
بالمناسبة البلهارسيا مابتنتقلش من الشرب. وفي الوقت ده فاكرة كويس غفر المسطحات كانوا رايحين جايين بلانشاتهم الرمادي لمراقبة نضافة المياه ومخالفات وزعيق للغسيل والزبالة وأحيانا غرامات وكان في تحليل للمياه بصورة دورية وكان وكان وكان...