عبر تحوت إلى البر الغربي، رحل إلى أرض بعيدة بعيدة غير تلك الأرض...
رحل المفوه في طريق النور
فكيف ترثيه لغتنا الجميلة؟!
ذهب المجمعي بضاده
رقد بأرض هي للشعراء خميله
عله يعد لأربابها أمسية ثقافية...
***
حين علمت برحيل فاروق شوشة، انفلتت دموع الحنين من عيني دون إدراك. دارت برأسي أشرطة الذاكرة لتحيي ارتباطي به.
فقد عرفت فاروق شوشه وأنا لم أزل طفلة لا بتعدى عمرها الثلاث سنوات، من خلال جدتي سعاد، كنا نجلس سويًا في تمعن وإنصات لبرنامج أمسية ثقافية. أتذكر جيدًا أن ارتباطي بفاروق شوشه قد نشأ بسبب جدتي سعاد حينما كانت تدير مؤشر المذياع (الراديو) لتأتي بالبرنامج العام وصوته المميز مغردًا "لغتنا الجميلة" وصباح كل جمعة بروحانية حنونة "في طريق النور"...
أدين بفضل المعرفة لجدتي. في كل حلقة من حلقات أمسية ثقافية كنت أرى هذا الرجل مطلًا على شاشة صغيرة يقرأ ويقدم ويحاور ويداعب من معه برزانة لغوية مميزة، وكنت أظن وقتها أن أمسية ثقافية وقتها مقدس لا مناص من حضوره بجوارها. كنت كلما قرأت له حرفًا بعدما عرفت طريق القراءة لا بد من ظهور طيف جدتي سعاد ليؤنسني في حضور فاروق شوشة، دواووين شعره، أشعاره مفردة، برامجه، مقالاته في العربي الكويتي وغيرها من منصات ومنابر يعتليها حرفه، أقرأ وأبتسم، أقرأ وأبتسم.
***
فاروق شوشة كان وجهه مميز، فكنت أربط بينه وبين الإله تحوت (رب الكتابة والأدب)، ليس بسبب الكتابة والشعر والأدب وحسب، إنما بسبب ملامح وجهه، وهيئئة أنفه الذي كان يشبه أبو منجل (رأس الإله تحوت). كلما طل ذكرته بتحوت في هيئته. حتى عينه التي رأت واختزنت من كنوز المعرفة الكثير حتى أنها تكورت وانغلقت على بؤبؤه البراق وغطت جيوب عينه بياضها، كعين أبو منجل الخالية من البياض...
سلام لك وعليك وسلام لمن نحب في الأرض البعيدة...