كانت أيام كتلك، حيث نشوة الصيف بنسائمه المعقدة. تلك التي تسحر الألباب، تطوف بك بلدان، محملة بروائح تسلب عقلك حين تنتفض الروح في حركة فجائية. أطلق عليها أبناء الريف "لفحة هوا" وكأن لسان حالهم يذكر "نفحة هواء". نفحات كتلك التي تجدها متراصة، أسفل المناضد في تجمع شاذولي. أو هذه التي ترتجيها من الله يمنحك إياها. هؤلاء المجتمعون في ليلة ذِكر أسموها "ليله". ما بين المديح وأذرع الرجال تتطوح، وكأنما تجلب الهواء نفحات من رياض تمنوها بقلوبهم. وأكفٌ ترتطم ببعضها يصنعون إفاقة لقلب قد لُهيا بأشياء تركوها لأجل هذه اللحظة. "نفحة إلهية" ترتجل بهم من ضفاف إلى ضفاف. نفوس قد أُثقلت بالموازيين،أطفال يجذبون أطراف جلالبيب ذويهم، يطوفون مع أنصاف دوائر ذيولها. علهم يدركوا ما يفعل الرجال. ينتهون ويطوفون أرجاء القرية يقرأون ما تيسر من القرآن بصوت جماعي حاملين "الكلوبات"، مصابيح كانت تُضاء بالكحول "السبرتو"، تثير صوت كما شجن الصدور. تحمل رائحة السبرتو بأنفاس معتقة وشاشة بيضاء خلف الحائط الزجاجي تنير لهم الطرقات، وأصواتهم تخفي تمامًا نفحة الصوت -الذي لا يسمعه أطفال القرية، إلا في كل ليلة ذِكر. فثمنه لا تطاله أيديهم ولا يملكه سوى أعيان قريتهم- ذاهبين إلى المقابر يذكرون الله ويرتلون آياته تعتلي جباههم أقمشة خضراء امتزجت بأخرى بيضاء، عليها كتابة من التي لم تدركها العين. لكن القلوب قد أدركتها فقبل أن تنطقها الألسن نبضت قلوبهم بها طالبة للنفحة...
يستمرون في طريقهم، دائرة تكتمل من مكان الذِكر. يذهبون راحلين إلى طرقات القرية ومن ثم يعودون إلى مركز الدائرة من جديد يكملوا رفع الأيادي وتصفيق الأكف يرسلون نفحات طالبين نفحة...
يستمرون في طريقهم، دائرة تكتمل من مكان الذِكر. يذهبون راحلين إلى طرقات القرية ومن ثم يعودون إلى مركز الدائرة من جديد يكملوا رفع الأيادي وتصفيق الأكف يرسلون نفحات طالبين نفحة...