الثلاثاء، 24 نوفمبر 2020

العبارة في الشيكارة


 

الإنسان عجيب!
منذ عهد قريب ظللت أحدث نفسي وكثيرين حول أزمة استهلاك الفقر، وتدوير قوت الفقراء كسلعة حديثة (مودرن) بثمن طائل. خاصة في ظل الفقر الإبداعي في التصنيع...
على سبيل المثال، إعادة استهلاك مناديل الرأس الخضراء ذات الورود الزاهية، والتي كانت ترتديها الفلاحات ويُنظر لهن بشيء من التقليل في بعض الأحيان أو جملة "ياي بلدي"، وظهورها تحت مسمى "إسكارف" لترتديه نساء طبقة بعينها حول الرقبة أو غطاء للرأس، وبمقدورهن دفع ثمنه. كذلك ظهور أكلات في بعض المطاعم الحديثة بمناطق كالزمالك ومثيلاتها من مائدة الفقراء والمعدمين ولا يملكون غيرها، بل وصل الأمر لتتحول إلى أسماء وعلامات تجارية لهذه المطاعم والتي بالطبع ليس بمقدور الفقير الولوج وشراء بعض من هذه الأكلات لأنها لم تعد لمحدود الدخل أو فوق المتوسط!
مع دخول موسم الدراسة وتعثر بعض الأسر في تدبير المال لشراء مستلزمات الدراسة ومنها الشنطة المدرسية، كانت بعض الأسر تحيك الملابس القديمة لتحويلها إلى شنطة أو حياكة الشكائر (الأشولة) البلاستيكية كشنطة مدرسة، وكذلك بعض العمال النازحين يوميًا من القرى إلى أشغالهم بالقاهرة بعضهم يحمل مثل هذه الشنط كحاوية لطعام وأوراق أو ملابس عمل وخلافه...
وهنا دومًا يظهر تدبير المرأة المصرية وإعادة تدوير كل شيء ليصبح أي شيء جديد. ولكنه العوز،وليس التباهي أو التدوير من باب التدبير، العوز وحده يحكم...
مع تيار الغرق التام في الماضي وظهور مصطلح "النوستالجيا" وإحياء الماضي بحذافيره، ظهر إعادة التدوير الإثنان متوازيان وظلا هكذا حتى تقاطعا في إعادة إنتاج منتجات الماضي بدون تطوير، وبغير خلق حاضر جديد، بالطبع معروف أسباب هذه العودة ولا داعي للخوض فيها الآن. لكن التقاطع أتى بمسوخ وأشياء لا ثمن لها وكانت لسد الحاجة أصبحت إطار جديد. يفرغ حاجة المحدودين من قالبها وبدلًا من خلق حلول لمعالجتها يزيد من قولبة الاحتياج إلى موضة. وليس أزمة مجتمع...
حقيقة كل ما دار ببالي وقت رؤية صورة الشنطة أو شيكارة الدقيق بمعنى أدق، مشهد عمرو عبد الجليل في حين ميسرة وهو يطالب معلقي لافتات الإنتخابات القماشية بجلبها إليه كي يصنع منها "لباسين" فهل سنرى خلال الفترة القادمة ونحن في موسم انتخابات، ظهور موضة ملابس اللافتات الانتخابية؟!!!
أدرك جيدًا أن مشروع Cairopolitan هو مشروع فني بالأصل، ظهر على يد فنانين دمجوا ما بين التاريخ القريب أو التأريخ، وإحياء مشاهد من القاهرة ومنتجات السوق وقتها، ولا شك أنهم بذلوا مجهود في إحياء مهن كاد يقتلها البلاستيك، مثل كراسي الخيرزان والأعف (ما يعرف في البندر بمقشة لحاء النخل)، وعرضها كمنتج جديد ومتطور لأعمال الديكور والأعمال الفنية،واستخدامها في كماليات أدوات التكنولوجيا. أيضًا إحياء علامات تجارية أغلقت بسبب الإفلاس وطباعتها على أقمشة لأغلفة التابلت أو شنطة ظهر، وكل شخص حر فيما يستهلك ويحب أن يقتني. لكن تخيل معي أن تعرض شيكارة بـ 120 ج ربما تصبح موضة وتمتلئ بها الأسواق والشوارع،ما رد فعلك هل ستستهلكها من باب إعادة التدوير والحفاظ على البيئة أم من باب ستايل وموضة!!!
كلامي لا علاقة له بأن يبقى الفقير فقير وممنوع الاقتراب من حاجياته، كلامي عن أزمة الإغراق واستهلاك ضيق الحال وتحويله لدرب من الجنون...

هناك تعليقان (2):

Unknown يقول...

أول مرة أعرف إن الشيكارة بقت شنطة موضة !
على فكرة أسلوبك أكاديمي زي اللي بسمعهم في إذاعة البرنامج الثقافي 😍

مذكرات كشكول المورق يقول...

اللي يعيش ياما يشوف يا Unknown ^_^
أشكرك <3

 
قُطُوُف - Blogger Templates, - by Templates para novo blogger Displayed on lasik Singapore eye clinic.