الأحد، 17 يناير 2016

رحلة المبتدأ والخبر

رحلة المبتدأ والخبر، هكذا وجدت نفسي أطلق على مسار رحلات مسافر خانه. التي انطلقت رسميًا من العام الماضي. بسلسلة من الرحلات التي تضرب في عمق التاريخ الإنساني - المصري على وجه الخصوص - والتي لا يمكن وصفها برحلة ترفيه وحسب، فهنا سننقصها حقها، ولا يمكن وصفها برحلة تثقيف، لأننا سنختص بها أهل الاختصاص وفي هذا إجحاف!
فرحلات مسافر خانه وهي صفحة أنشئت على موقع التواصل الاجتماعي Facebook لفريق عمل تشرب وتشبع بمسيرة حافلة في مجال الآثر والعناية به، قد ارتأى - أي فريق العمل - أن الآثر لا يمكننا الحفاظ عليه والعناية به دون ذكر للبشر. فكانت سلسلة الرحلات التي انطلقت في عام 2015 ابتداء بمحافظة الفيوم  وتلاها رحلة إلى الواحات البحرية والصحراء السوداء والبيضاء، ثم قرية تونس، فرحلة صورة وأسطورة. والتجهيزات القادمة نحو واحة النبوءة، واحة سيوة ذات الطابع المعماري والإثني الخاص...
رحلات تسبح في فلك التاريخ الإنساني الضاربة جذوره بعمق داخل حضارة أرض مصر.
المنضم لرحلات مسافر خانه، لا ينفك أن يجد نفسه داخل شريط سينما، وليس أمام الشريط في دور المشاهد. لأن السلاسة التي يغزل خيطها فريق عمل مسافر خانه، تنسج قماشة ثرية من تاريخ البشر والآثر في إطار حكاية من حبكتها لظن المسافر معهم أنه ينتمي لهذا العصر دون أي خدع بصرية، أو ألاعيب. فقط هو السحر... مس من السحر يتلبس مجموعة الرحلة أينما كان مسار الركب.
ففي الفيوم أرض خصبة رغم الرمال والصخور يحكي الفريق فيها حول التاريخ الإنساني جامعين كل ما طالت أيديهم من علوم (التاريخ والجيولوجيا والآثار والميثولوجيا وغيرها من علوم) ليتكشف لنا تاريخ لم نقرأه بعناية من قبل، وأساطير كانت كذكر العابرين سريعًا لا ربط بينها وبين الواقع. ثم تحول الربط في حكايا مسافر خانه في رحلاتهم.
على سبيل المثال الرحلة التى تمت مؤخرًا، صورة وأسطورة كانت في القاهرة، داخل شارع يمر عليه المارون ليل نهار، من يسلكون طريق المقطم أو من يذهب لاستخلاص بعض الأوراق في مصالح السيدة زينب، أو حتى المقيمون فيه وهو شارع الصليبة. كان برنامج الرحلة من فرط شهرة معالمه ظن المرتحل أنه برنامج عادي، لكن ما حدث كان غير ذلك...
نصبت رئيسة الفريق الشرك للمجموعة الذين لا يعرفون بعضهم بعض، وربما جمعت مواقع التواصل الاجتماعي بعضهم ببعض صدفة، والتقوا وجهًا لوجه على متن أتوبيس ألقوا على سائقه التحية واستلقوا إلى الوراء يستمعون إلى مرشدة الرحلة ليقعوا في الفخ!!!
عقدت مشرفة الرحلة الأستاذة سالي سليمان حبكة درامية على وقائع حقيقية ربطت فيها بين ثلاثة أبطال جاءوا من عصر المماليك ليقصوا على أحفاد هذه الأرض - مصر - تاريخ الصعود الذي ركبوه فصاروا من أهل الهمة والحل والعقد إلى أن سقطوا في هاوية عقيدة المماليك الخالدة " إن لم يقتلك القدر، فالسيف المملوكي يفعل ". كان أبطال الرحلة (صرغتمش - شيخو - تاز) ثلاثة أمراء من المماليك لولا آثارهم لجهلنا أخبارهم...

فلكل منهم أثر وآثر اقتطعوا من حجارة أرض مصر بنيانه، فهذا صرغتمش الذي بقي منه ضريح وجامع وبقايا مدرسة. وكذلك شيخو في الجهة المقابلة منه تاركًا مسجد وخانقاه للتعبد، وعلى يسارهم رفيق الدرب الأمير تاز وقصره المهيب...
لم تكتفي سالي بالسرد الشيق عن الأمراء، بل دخلت بنا في سرداب من الأساطير داخل بيتان توسطت بينهما قنطرة فأصبحا نزل لواحد من مستشرقي القرن الماضي، والذي افتتن ببلاد عرفتها الحضارة فأخذ يلتقط منها ما طالته يده حتى نادم عليه منزل الست الكريتلية فلبى النداء وسكنه البيت قبل أن يسكنه، فأصبح "متحف جاير أندرسون". كذلك متعة الحكي عن جبل يشكر بن جديلة الذي بنيت عليه مدينة القطائع، عاصمة مصر إبان حكم الدولة الطولونية والأساطير التي شكلت تاريخ الجبل، حتى جعلته أرض مستجابة الدعاء...
زمن يتلبسك بكل تفاصيله حتى وإن كنت زرت هذه الأماكن من قبل!! ! فلن تتورع عينك عن الطرف لسحر ما ترى، ولن يغلق فمك من فرط دهشة ما تسمع...
النهج الذي يسير عليه فكر برامج ورحلات مسافر خانه، ذكرني بقصة كان قد قصها علي صديق من قبل، حول صديقته الإنجليزية والتي كانت تدعى "مارثا" فقد كانت تعمل طوال العام وتدخر من راتبها ما تدخره حتى تأتي إجازتها لتنطلق بما ادخرته طول أشهر العمل وتسافر إلى كل مدينة أرادت السياحة فيها على قدر ما معها من أموال. كانت مارثا تعقد العزم على مصر تارة، وأندونيسيا وغيرها من البلدان تارة أخرى. كنوع من المكافأة لنفسها. وهذا ما يفعله الفريق كل فترة يعلنون عن رحلة داخل مصر بمبلغ يستطيع المسافر أن يدخره ويذهبون به في الاجازة الرسمية (السبت والجمعة) أو الأجازات المطولة إلى مكان من الأماكن المصرية التي لم ترى العين مثيلها.
هكذا هي رحلات مسافر خانه، تثقيفية ترفيهية تعليمية توعوية تنموية. فالمعلومات والمعرفةالتي يكتسبها الرحالة معهم لم تمر عليه بهذه الصورة والفكرة من قبل، والترفيه النفسي الذي يتلقاه لم يحظى به من قبل، وكذلك التوعية بأهمية الآثر والتنبيه حول نجدته حتى لا ينهار بين عشية وضحاها ولم نعلم عنه شيء، حتى دارسي التاريخ سيقرأوه كما قرأوا حول من اندثر من قبله ولا يملكون من معرفته شيء ووحده الخيال من يساعدهم!!!
والأمر التنموية حول فكرة وماهية الرحلة، كيف نتجهز لها ونتدبر أمرها، ولماذا هي بهذه الأهمية القصوى للنفس؟!
مسافر خانه وضعت كل هذه المميزات بل وأكثر فالمر دومًا تتخلله المفاجأة من فتح لأماكن لا يدخلها أحد وقصص وأساطير وتفسيرات للمكان والزمان يرتحل داخلها المسافر...
لماذا كانت المبتدأ والخبر؟ لأنها دومًا رحلات لجمل اسمية لها أبطالها وأفعالهم التي خلدها الآثر.

الصورة:- تصويري من سطح بيت الكريتلية أمام مسجد أحمد بن طولون.

ليست هناك تعليقات:

 
قُطُوُف - Blogger Templates, - by Templates para novo blogger Displayed on lasik Singapore eye clinic.