جدتي العزيزة سعاد، أكتب إليكي وأنت الأجدر بأن أكتب لها...
صباحك طيب يشبهك، يا جدتي سيكون صباح تقف مفردات الكلام عن وصفه. فمثلك لا شبيه ولا يستوعبه كون من فرط الجمال.
كيف حالك وحال صحبتك الطيبة هناك؟ سلامي لهم أجمعين من أرض النشوء إلى دار القرار.
أتذكرين لحظة تصويري على سيارة جدي، حقيقة لا أذكر منها سوى الصورة التي تحتفظ بها أمي. هل تصدقين أنني لا أعلم من قام بتصويرها ولماذا؟! لا أدري لماذا لم أسأل أو أهتم بمعرفة هذا الأمر واكتفيت بالنظر إليها والابتسام. تعلمين أنني لا أحب السيارات ورحابة الكون تحتضنني في السير رغم اللعنات التي تطلقها قدماي علي من طول مسافات السير. أنا الصديق للطريق كيف لي أن أترك سيارة مسرعة تخطفه مني وتسرقه عنوة. السيارات تلوث البيئة وتقتل الطريق دون رحمة.
وأهلها متعبين بشكل لا يطاق...
أذكرك وأتذكر دقات قلبك وقت انتظار عودة خالي من سفره الطويل، ليقضي أجازته السنوية معنا.يقود سيارته الخاصة على طريق بري يربط بين الدول وتصرخ على جنباته الوحدة، وكذلك خالي الصغير حين كان يذهب إلى المدينة لقضاء حوائج المنزل، وقلبك ينتفض ولسانك لا يستطيع اللحاق بدعواتك بسلامة الطريق.
السيارة تقيد حريتي، وتتحكم بي بشكل لا أطيقه وأنت الأعلم بهذا الأمر تمام العلم. ولكن تشاء الظروف أمورًا لا نستطيع عليها صبرا وكذلك لأني أقدس حريتي التجأت لفعل ما لم أرغب فيه...
الأمس الخميس 15 نوفمبر 2018 استيقظت على مضض وتناولت قطعة جبن وتأهبت للنزول ثم ذهبت إلى مكتب لتعليم القيادة، تعرفين جيدًا أني على دراية بالقيادة ولكني أتجنبها، لكن لا بد من أخذ حصص تدريبية كي أحصل على رخصة القيادة. كان المدرب في انتظاري، أظن أنه من دفعتي في المدرسة وربما يخيب ظني -أتمنى هذا-
هادئ الطبع وكلامه بسيط، اتفقنا على الأيام وعقدنا ورقة تسجيلية. كانت سيارته من طراز الفيات قديمة وصغيرة الحجم مثل قائدها. يا إلهي ما هذا الوضع السخيف، فأر يعلم الفيل كيفية القيادة في علبة سردين. لا أقصد هنا إهانة يا حبيبتي، تعرفين ذلك جيدًا.غاية ما أقصده أن التشتيت والحرج سيكون سيد الموقف. قبل أي شي أخبرته أنني لا أحب القيادة ولا أحب السيارات والمسألة في التدريب واجب أخلاقي وأسري بحت. قال لي لا توجد مشكلة، والأمور ستسير خير مسار.
بدأت السيارة في التحرك وهو يتحدث عن عملها والمكونات التي سأتعامل معها،وكل ما دار بذهني يا أستاذ أعرف كلما تقول ولكن حائط سميك يقف أمام كل هذا.
بالطبع لو كنت أخبرته باعتراضي الأخلاقي على تلوث البيئة لقال أنني معتوهة رسميًا ويستوجب حجزي بمستشفى الأمراض العقلية. توقف عن القيادة وفصل مفتاح تشغيل السيارة، وطلب مني النزول كي أتخذ مقعد القيادة ونتدرب عمليًا.
ترجلت عن السيارة بكل شجاعة وتوليت القيادة وويل ما توليت لقد كنت لوح خشب وقدماي لا تشعر بملمس الدواسات، فنعل السليكون يقف حائل بيننا. أخبرته أن حركتي عنيفة فتحسب هذا. قال لا توجد مشكلة نحن نتعلم. الحق أقول لكي لا أشعر أنه صادق في كلامه وكأنه لا يطيقني لكن أحمد أبلغني أن هذا طبعه وطريقة كلامه لا داعي للقلق. قدمي اليسرى بطيئة جدًا في تعاملها مع الدبرياج وكأنها تحسس على طفل رضيع بمنتهى القلق خشية أن توقظه، وعلى البنزين منتهى الغشم، ذراعاي يمسكان بعجلة القيادة وكأنهما قطعتي خشب، لا يشعران بشيء. مش مرتاحة يا ستو :(
مدرب القيادة يعتقد أنني أريد الحفظ، ما هذه الحماقة؟ كل هذا لأنني سألته أن يعيد على مسمعي ما دور الفرامل، وأن عليه أن يخبرني القدم اليمنى عند كذا واليسرى عند كذا، ولا بد أن أرى بعيني وأسمع جيدًا. هو لا يستوعب أن كل حواسي مدخل لمخي كي يستوعب لا لكي يحفظ والترهات التي يظنها!
كنت أشك أن نظرة عيني للطريق بها خطب ما، ولكن كنت أقول لنفسي ربما لأنك في المقعد الخلفي فالرؤية تختلف، لكن اليوم وجدت أن الشك يقين يا داهية دقي، لتكن المخاطرة ربما هي محض ظنون. على الجانب الأخر من الطريق كانت ماما واخوتي في السيارة ذاهبين إلى الطبيب، نادموا علي ولم أسمعهم، تخيلت بالفعل بالسيارة ولكني انشغلت في تخطي مطب.
انتهت الحصة وأنا في حيص بيص، هل صنعت انجاز فعلًا أم أنه لا يطيقني، وماذا إن كنت خجلة كعادتي، لكن مهلًا أين الاحمرار الذي يكسو وجهي بسخونة شديدة. يا خبر لقد اكتشفت اليوم يا جدتي نوع آخر من ردات الخجل، لقد تخشبت وكان عرقي مرقي حتى أن إيصال التعاقد قد باش في جيبي وملابسي بالكامل ابتلت وكأن سيل شق الطريق.
الأمر سهل جدًا ولكنه سخيف يا حبيبتي، أريد الحركة أريد المشي وصحبة الطريق الطيب...
ختامًا لن أطيل عليكي هي فقط فضفضة كنت أظن أنني سأضحك ساخرة على هذا اليوم ولكن ظني خاب ورجعت محملة بتعب شديد، غايته أتمنى لكِ نهار هادئ وممتع،وسأرسل لك خطاب عن كل حصة تدريب للونس يا حبيبتي...
المخلصة لكِ أبد الدهر...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق