إذا أردت أن تشتري الترامواي فأنت حر، لكن لا
تجبرني على ركوبه...
تتكرر الأزمة الأدبية في كل عام، وتسيطر
هواجس المبيعات والنسخة الأكثر شعبية لدى أشباه القراء والكتاب الوهميين وناشريهم،
مع افتتاح معرض القاهرة الدولي للكتاب.
لقد جرت العادة أن يبحث الناشر عن مصدر تسويق
لما ينشره، ويا حبذا لو كان الشخص ذو شعبية واسعة حتى وإن كان ينادي "ريان يا
فجل"، أو لديه من المال ما يكفي لإنتاج وتسويق سلعته الأدبية. بالفعل
إذا تعاملنا مع الإنتاج الأدبي بلغة العرض والطلب فهو يندرج تحت مسمى سلعة.
وهذا ما حدث في السنوات الأخيرة أصبح النشر
متاح للجميع، وهذا لا اعتراض عليه لكن أن تأتي من باب "الموضة" الصيحة
العصرية في سوق الفكر والأدب وأن تفرض على القارئ مادة لا لون لها ولا مضمون أدبي
أو حتى بناء فكري تقدمه للقارئ، فأنت داخل منظومة الجهل والضحالة الفكرية. وللأسف
الشديد هذا ما آلت إليه الأحوال في مصر ولا عجب. إن الإطار الذي أحاط به القارئ
المصري ذاته، وتحويل القراءة إلى وجاهة اجتماعية لا تنمية فكرية، بات الاسم الأدبي
ذائع الصيت هو القبلة التي يتوجب على القارئ وباقي قطيع الوجاهة الاجتماعية أن
يتوجهوا نحوه من أجل إظهار الفخر والزهو بأنني أحمل الكتاب كذا فبالتالي أنا على
خارطة المثقفين والثقافة.
***
مع تطور آليات العصر وتحول "مفكرة اليوميات"
من حالتها الورقية إلى الشكل الإلكتروني وآلية التدوين ظهرت منافذ جديدة تسمى
المدونات ومن خلالها يكتب الشخص أي حرف شاء، وعلى الرغم من قِدم الفكرة إلا أن عام
2008 كان بمثابة نشر ورقي موسع لأغلب ما كُتب على هذه المدونات. نظرًا للشعبية
التي لاقتها بين الأوساط الشبابية فباتت غنيمة لدور النشر التي ركدت، أن تعيد
تسويق نفسها من خلال هذه الصيحة الجديدة.
ولم تحتوي هذه الأعمال على قضية اجتماعية أو
فكرة فلسفية، (لا يشترط في العمل الأدبي أن يثير قضية لكن يستحسن أن يحتوي على
الأقل على هيكل أدبي سليم)،إلا فيما ندر،منها من كان يحكي عن قضية عادات وتقاليد
اجتماعية وآخر يحكي عن الحب وقد كانت أغلب هذه الأعمال دون المستوى. ولاتساع شهرة
مواقع التواصل الاجتماعي وعودة الشعبيات الجماهيرية من جديد من خلال المشاركة
والإعجاب على ما يُكتب من حالات ومع تزايد شعبية كاتبيها. توجهت بوصلة دور النشر
نحو شعبية التواصل الاجتماعي لضمان استمرارية التسويق، لكن هل بضعة سطور تعتبر نص فكري؟
هل تعد جملة ارتجالية عملًا أدبيًا؟ بالقطع لا.
***
مع الزخم الذي أحدثته ثورة 25 يناير في
الأوساط الثقافية وبروز شخصيات قامت بأداء أغنية حماسية أو كتابة أغنية من
الأغنيات، أدت لشهرة صاحبها نتيجة لتعطش المتلقي إلى عمل جديد غير الذي اعتاده حتى
وإن كان سيء لكنه يضمن له الحماس ويتكلم بالنيابة عنه من خلال جمل عادية طوعتها
الموسيقى. لا شك أنها لعبت دور حيوي داخل مضمار الثورة وأشعلت منافسة فنية بين
العديد من الفرق، لكن هذا كله لا يعطي أصحابها الحق في حصانة أو التنزيه عن النقد!!!
كل الإنتاج الثقافي بكافة مجالاته خاضع للنقد
والتفنيد، ونقد العمل لا يقلل من قيمة الإطار الذي نشأ فيه.
***
تحويل بعض الجمل على مواقع التواصل الاجتماعي
إلى حالة ورقية مع وجود شعبية لكاتب السطور -على الرغم من افتقاره لأبسط قواعد
الكتابة واللغة- هي خلطة مكسب ناجحة مائة بالمائة لأي دار نشر حتى لو كانت مجهولة
أو ناشئة. هذا بالإضافة لوهم الطبعات المتعددة والكتاب الأكثر بيعًا "مبيعًا"،
وهذه نقرة أخرى...
كل إنسان حر فيما يكتب ويقول، لكن هل لأنك
تملك المال والشعبية الغوغائية، يعطيك الحق في أن تفرض على الساحة الأدبية سطور لا
ترتقي حتى أن يتضمنها كتاب رسائل الحب لدى المراهقون، وتصبح هي الفكرة الأدبية
الجديدة التي تسيطر على الساحة!!!
لا شك أن وجود عدة ألوان أدبية وفكرية تفرز
إنتاج ثقافي جيد ومناخ فكري ينأى بمتلقيه من أي مستنقع للتطرف، بل إن المناخ
الثقافي في أي مجتمع لا يحيا إلا إذا تعددت الأعمال الأدبية وتبارزت فيما بينها في
سجال فكري يحترم عقل القراء.لكن أن تشتري الترامواي أو حتى العتبة الخضراء أنت حر
في ذلك وكن تحت سيطرة جهلك وخداع نفسك، لكن لا تجبرني على ركوبه وأن يصبح هو
المتحكم الجديد في سوق الأدب...
السطور أعلاه مجرد نثار حرف على هامش المهزلة...
منى الأقطش
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق